قررت أن أكتب دون خطة واضحة لما يجمع بين هذه الشخصيات سوى العمق ومدى التأثير وتصور الحياة بشكل كامل في ذهن الشخصية إضافة لمدى وبعد التجارب التي عاشتها.
من وجهة نظري هذه الشخصيات الخمس مثلت عمر الإنسان أو مرحلة من مراحله بشكل نفسي عميق، الفكرة لمعت بعد أن شعرت بأني أحتفظ بهم مثل غرباء نسجوا حكاياتهم لي لكنهم دون أن يدركوا ذلك صرت أخبئهم في ذاكرتي كأداة تدلني على مناحي الحياة.
-(سي السيد) بطل ثلاثية نجيب محفوظ (١-بين قصرين،٢-قصر الشوق،٣-السكرية)البطل الذي غالبًا ستجده قريب منك أو ربما يكون أحد أفراد أسرتك. يبدو عليه في بداية الأمر أنه رجل تستند عليه لكن سيفاجئك كما تفاجئك ذاتك في يوم عصيب. لا أحب أن أصنف الأشياء؛ لكن يبدو على “سي السيد” ملامح أرضه رجل حاد متناقض يتسم بالصلابة داخل منزله في حين أن داخله يبدو رطبًا خارج المنزل، لا يقبل إلا أن يكون أولاده في طريق صحيح في حين أنه يعاكسهم،سي السيد رجل يخون نفسه وزوجته في كثير من الأوقات،الرجل الذي لا تستطيع أن تحبه ولا أن تكرهه تماما.
-(مارتا حداد) في رواية أميركا، المرأة التي قررت وبشكل تعسفي أن تغادر بلدها إلى أمريكا بحثا عن زوجها المفقود هناك بعمر ١٩ سنة. وعلى مدى ٦٠ عاما يركض الأمل برفقتها، مارتا التي أعادت تعريف الوطن أو بشكل آخر أعادت تعريف الهجرة،ونقل ربيع جابر لي من خلال (مارتا) كيف تتحول الشخصيات بناء على البيئة،كانت مثل دمى الماريونيت التي يشكلها ليصف رحلة الحياة لمهاجر بالصدفة،وعلى سبيل التوضيح لما تحكية الرواية،قال أحدهم :”ليست النهاية كل ما يهم بل الرحلة كلها”.
مارتا أحس بأنها كائن صغير في عقلي يجلس على كرسيه وتركض كل الحكايات من فمه بلغتين وعدة لكنات.
-(أمير خان) الطفل الذي يكبر بداخلك، الشخصية المنسوجة بالتعقيدات النفسية في رواية (عداء الطائرة الورقية) لخالد حسيني، أمير ينعم بوفرة الحياة حتى نسفت الحرب الأفغانية كل مايملك.
أمير يحكي لك عن العلاقات وماتخلفه في ذاتك، عن الصراع الطبقي والديني. عن المقارنة في الحب والحنان الذي يتلقاها هو وصديقه من والده، يحكي عن التتابع الزمني الذي غير كل شيء وعن الهجرة التي أعادت صقله،اختار خالد حسيني -المؤلف- أن يصورنا داخل روح أمير بطريقة ما، أن يجعلنا هناك في أقصى نقطة منه وأن نكره هذه البقعة في دواخلنا.
-(هولدن كولفيلد) رمز المراهقة، الصبي المتذمر ذو السادسة عشر عاما في رواية الحارس في حقل الشوفان. الشخصية الأكثر شعبية عند الحديث عن المراهقين في عالم الرواية.هولدن الصبي الأمريكي الناقم على مجتمعه بفئاتهم العمرية، المتأمل في تصرفاتهم والناقد لكل مايحدث أمامه بعباراته المضحكة والساخطة في آن. -سالنجر- المخترع لكل تعقيدات هذه الشخصية يجردك إلى صورتك الأولى.
نشعر في أيام المراهقة بأن الحياة بائسة ومملة وأن الكثير لا يلقون بالا لأرائنا، وأن المجتمع يتعايش على النفاق غالبا ولشعورنا بالأسى نأخذ الحياة على محمل الهزل كما يتصور هولدن ونرغب في العزلة طوال الوقت.
أحب هولدن في كثير من الأوقات وأراه حقيقيا وعميقا أكثر من اللازم.
-(رقية) ابنة الطنطورية التي نسجت منها رضوى عاشور كل ماكان في النكبة الفلسطينية وكل مايلزم أن يروى عن معاناة الأمهات الفلسطينيات،تجد فيها صورة لكل ماخلفه الإحتلال ولكل النساء اللاتي مررن بتحولات الزمن السريعة.
رقية أوجعتني ولا تزال كذلك فكلما قامت حرب مفاجئة من المؤكد أن هناك رقية جديدة.
هذه ليست الأبرز بالطبع ولا الوحيدة أيضا لكنها الشخصيات التي سبقت غيرها.
تحدثوا لي عن شخصيات روائية لم تفارق ذاكرتكم أو أنها لمعت الآن أمام أعينكم.
اللوحة:
Elin Danielson-Gambogi (Finnish, 1861 – 1919): Sunset (1915)